خطبة الجمعة القادمة 17 يونيو 2022م : الحفاظ على الأوطان والحرص على عمارتها ، للدكتور محروس حفظي
خطبة الجمعة القادمة
خطبة الجمعة القادمة 17 يونيو 2022م : الحفاظ على الأوطان والحرص على عمارتها، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ: 17 ذو القعدة 1443هـ – الموافق 17 يونيو 2022م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 17 يونيو 2022م ، للدكتور محروس حفظي : الحفاظ على الأوطان والحرص على عمارتها.
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 17 يونيو 2022م ، للدكتور محروس حفظي : الحفاظ على الأوطان والحرص على عمارتها، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 17 يونيو 2022م ، للدكتور محروس حفظي : الحفاظ على الأوطان والحرص على عمارتها، بصيغة pdf أضغط هنا.
___________________________________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
عناصر خطبة الجمعة القادمة: الحفاظ على الأوطان والحرص على عمارتها ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
(1) حبُّ الأوطانِ مِن صميمِ مقاصدِ الأديانِ .
(2) ذكرُ مصرَ صراحةً وضمنًا دليلٌ على فضلِهَا وشرفِهَا .
(3) جانبٌ مِن حقِّ الوطنِ علينَا جميعًا .
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة الحفاظ على الأوطان والحرص على عمارتها ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
خطبةٌ بعنوان «الحفاظُ على الأوطانِ والحرص على عمارتها» ، بتاريخ 17 ذي القعدة 1443 ه = الموافق 17 يونيو 2022 م
الحمدُ للهِ حمدًا يُوافِي نعمَهُ، ويُكافِىءُ مزيدَهُ، لك الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أمَّا بعدُ ،،،
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة : الحفاظ علي الأوطان
(1) حبُّ الأوطانِ من صميمِ مقاصدِ الأديانِ:
لقد فطرَ اللهُ الخلقَ على محبةِ الأوطانِ، والحنينِ إلى ترابِهِ، والدفاعِ عن أركانِهِ، والحفاظِ على مقدراتِهِ، ينبضُ بهِ قلبُهُ، ويجري بهِ دمُهُ، فهو مِن أجلِّ النعمِ التي يُنعمُ بهِ الخالقُ جلَّ وعلَا على الإنسانِ بعدَ الإيمانِ باللهِ ورُسُلِهِ، ولذا تجدُ السياقَ القرآنِيَّ قد سوَّى بينَ مصيبةِ الموتِ وبينَ الإخراجِ مِن الأوطانِ فقالَ عزَّ من قائلٍ: ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ﴾، وقد ضربَ رسولُنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أروعَ الأمثلةِ في محبتِهِ لوطنِهِ، وتجدُ هذا جليًّا في حادثِ تحويلِ القبلةِ، وكثرةِ تقليبِ وجههِ في السماءِ رجاءَ أنْ تُحولَ القبلةُ تجاهَ البيتِ الحرامِ مسقطَ رأسِهِ، وقد تكاثرتْ الأحاديثُ عنهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيانِ محبتِهِ لوطنهِ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ حَمْرَاءَ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ وَاقِفًا عَلَى الحَزْوَرَةِ فَقَالَ: «وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ» . (الترمذيُّ وحسنَهُ، والحاكمُ وصححَهُ ووافقهُ الذهبيُّ) .
ولما انتقلَ المسلمونَ من مكةَ إلى المدينةِ وبطبيعةِ الحالِ عندمَا يستقرُّ الإنسانُ في مكانٍ جديدٍ لا يتأقلمُ عليه نفسيًّا وجسديًّا – في بدايةِ الحالِ – فشكُوا حالَهُم للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدعَا لهُم أنْ يغرسَ اللهُ حبَّهَا فيهِم فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَهِيَ وَبِيئَةٌ، فَاشْتَكَى أَبُو بَكْرٍ، وَاشْتَكَى بِلَالٌ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللهِ شَكْوَى أَصْحَابِهِ، قَالَ: اللهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَمَا حَبَّبْتَ مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، وَصَحِّحْهَا» . (متفقٌ عليه)، فمحبةُ الأوطانِ غريزةٌ جبليةٌ يشتركُ فيها الإنسانُ والحيوانُ يقولُ الأصمعيُّ: «ثلاثُ خصالٍ في ثلاثةِ أصنافٍ من الحيواناتِ: الإبلُ تحنُّ إلى أوطانِهَا وإنْ كان عهدُهَا بها بعيدًا، والطيرُ إلى وكرِهِ وإنْ كان موضعُهُ مجدبًا، والإنسانُ إلى وطنهِ وإنْ كان غيرُهُ أكثرَ نفعًا»، ولذا تجدُ الحيوانَ أو الطيرَ يقطعُ آلالافَ الكيلُو متراتٍ، ويهاجرُ متنقلًا من مكانٍ إلى آخرٍ بحثًا عن الغذاءِ أو مِن أجلِ التكاثرِ والتزاوجِ ثم يحنُّ إلى وطنِهِ الأُم، بل قد يُضحِّي بكلِّ غالٍ ونفيسٍ في سبيلِ تحقيقِ ذلك حتّى إنّ بعضَ المخلوقاتِ إذا تمَّ نقلُهَا عن موطنِهَا الأصليِّ فإنَّها تموتُ، وتذهبُ سُدى، فسبحانَ مَن دقتْ حكمتُهُ وقدرتُهُ كلَّ شيءٍ.
إنّ المسلمَ عندما يحبُّ وطنَهُ إنَّما يتمثلُ في الأساسِ هديَ المصطفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بل هديَ الأنبياءِ جميعًا، فمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لما مكثَ في مدينَ فترةً مِن الزمنِ حنَّ للرجوعِ إلى بلدِهِ الأُمِّ مِصرَ – وعلى جبلِ الطورِ في سيناءَ كلَّمَ ربَّهُ – رغمَ ما سيُلاقيهِ من متاعبَ ومشاقٍ، واستمعْ إلى القرآنِ وهو يحكِي ذلك الموقفَ: ﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾، قال ابنُ العربيِّ المالكيِّ: (قَالَ عُلَمَاؤُنَا: لَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ طَلَبَ الرُّجُوعَ إلَى أَهْلِهِ، وَحَنَّ إلَى وَطَنِهِ، وَفِي الرُّجُوعِ إلَى الْأَوْطَانِ تُقْتَحَمُ الْأَغْرَارُ، وَتُرْكَبُ الْأَخْطَارُ، وَتُعَلَّلُ الْخَوَاطِرُ، وَيَقُولُ: لَمَّا طَالَتْ الْمُدَّةُ لَعَلَّهُ قَدْ نُسِيَتْ التُّهْمَةُ، وَبَلِيَتْ الْقِصَّةُ) أ.ه أحكام القرآن 3/511.
ولمَّا أُمِرَ المسلمونَ الأوائلُ بالهجرةِ إلى الحبشةِ، قالَ لهُم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ خَرَجْتُمْ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ فَإِنَّ بِهَا مَلِكًا لَا يُظْلَمُ عِنْدَهُ أَحَدٌ»، ومكثُوا هنالك فترةً، ثم سمعُوا أنَّ الأوضاعَ قد هدأتْ رجعُوا، فلَمَّا دخلُوا سجدُوا للهِ شكرًا على رجوعِهِم إلى وطنهِم، وأخذوا حفنةً من ترابِهَا وقبلُوهَا، وكان بلالٌ رضي اللهُ عنه لشدةِ حزنِهِ على تركِهِ لوطنِهِ – رغمَ ما حدثَ معهُ مِن تعذيبٍ وإيذاءٍ فيهِ- يقولُ: «اللَّهُمَّ الْعَنْ شيبةَ بنَ ربيعةَ وعتبةَ بنَ ربيعةَ وأميةَ بنَ خلفٍ كما أخرجُونَا مِن أرضِنَا إلى أرضِ الوباءِ» . (البخاري) .
وبناءً على ما سبقَ جعلَ العلماءُ حبَّ الوطنِ أحدَ «الكلياتِ الستِّ» التي أوجبتْ جميعُ الرسالاتِ السماويةِ الحفاظَ عليه، أمّا مَن يقولُ خلافَ ذلك فلا تسعفهُ الأدلةُ ولا الفطرةُ النقيةُ ولا العقولُ الأبيةُ ولا النفوسُ العليةُ، وهذه المحبةُ تسلتزمُ مِن الجميعِ التكاتفَ والاصطفافَ معًا لمواجهةِ الأعداءِ داخليًّا وخارجيًّا، المدوامةَ على العملِ والإنتاجِ، وخدمةَ الوطنِ كلٌّ في مجالِهِ ومِحرابِهِ، وللهِ درُّ القائلِ:
بلادِي وإنْ هانتْ عليَّ عزيزةٌ … ولو أنَّنِي أعرَى بها وأجوعُ
ولي كفُّ ضرغامٍ أصولُ ببطشِهَا … وأشرِي بها بينَ الورَى وأبيعُ
تظُّل ملوكُ الأرضِ تلثمُ ظهرَها … وفي بطنِهَا للمجدبينَ ربيعُ
أأجعلُهَا تحتَ الثرىَ ثم أبتغِي … خلاصًا لها ؟ إنِّي إذًا لوضيعُ
وما أنَا إِلّا المسكُ في كلِّ بلدةٍ … أضوعُ وأمَّا عندكُم فأضيعُ
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة : الحفاظ علي الأوطان
(2) ذكرُ مصرَ صراحةً وضمنًا دليلٌ على فضلِهَا وشرفِهَا:
إنَّ تكرارَ ذكرِ اسمِ مصرَ في القرآنِ يدلُّ على أنَّهَا الدولةُ الوحيدةُ الضاربةُ في عمقِ التاريخِ، وقد ذُكِرَتْ صراحةً في القرآنِ الكريمِ في “خمسةِ” مواضع، ويلاحظُ في تلك المواضعِ أنَّها ذُكرتْ في مقامِ المدحِ والثناءِ كاتخاذِهَا مكانًا للعبادةِ ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا﴾، واتصافِ أهلِهَا بالكرمِ والجودِ ﴿وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ﴾، ووفرةِ الخيراتِ وتنوعِ المزروعاتِ ﴿وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾، فيمَا ذُكِرَتْ بالإشارةِ إليهَا في أكثرَ مِن “ثلاثينَ” موضعًا، وبعضُ العلماءِ عدَّهًا “ثمانين” موضعًا، فهي أرضُ السلامِ والطمأنينةِ ونزولِ الرسالاتِ على بعضِ الأنبياءِ.
وهذا يُحتمُ على الإنسانِ الواعِي أنْ يحافظَ على تلك القيمةِ، ويعملَ جاهدًا على حمايتِهَا، والدفاعِ عنها، ويبذلَ كلَّ غالٍ ورخيصٍ كي يرفعَ شأنَهَا، إذ تحملُ في جنباتِهَا ميراثَ آلِ بيتِ رسولِ اللهِ، ولذَا نوهتْ السنةّ المشرفةُ بفضلِهَا فعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ وَهِيَ أَرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا الْقِيرَاطُ، فَإِذَا فَتَحْتُمُوهَا فَأَحْسِنُوا إِلَى أَهْلِهَا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا» أَوْ قَالَ «ذِمَّةً وَصِهْرًا» (مسلم).
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة : الحفاظ علي الأوطان
(3) جانبٌ من حقِّ الوطنِ علينَا جميعًا:
إنَّ مِن شيمِ المؤمنِ الصادقِ الوفاءُ لوطنِهِ، وهذا الوفاءُ يجبُ أنْ يُترجمَ عمليًّا إلى أفعالٍ وسلوكياتٍ، وإِلّا فهو محضُ افتراءٍ وادعاءٍ، وإليكَ بعضُ ما يجبُ علينَا تجاهَ وطنِنَا الغالِي:
*العملُ الجادُّ المثمرُ والتضحيةُ من أجلِ الوطنِ: فرضَ الإسلامُ علينَا العملَ، وحثَّنَا عليه، ورغبَنَا فيه لنصِلَ مِن خلالِهِ إلى أعلَى درجاتِ الجودةِ، وأرقَى متطلباتِ الإنتاجِ، وأفضلِ حالاتِ الشفافيةِ، وأوجبَ علينَا استثمارَ ثرواتِ الوطنِ من أجلِ تحقيقِ نهضتهِ وازدهارهِ، ولن يتحققَ ذلكَ إلا برجالٍ مخلصين قالَ تعالَى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾، إنَّ أغلَى وأنفسَ ما يقدمُهُ الإنسانُ لوطنِهِ هو أنْ يواصلَ عملَهُ بالليلِ والنهارِ، وأنْ نتحملَ المسؤليةَ كلٌّ في مجالِ عملِهِ وتخصصِهِ من أجلِ أنْ نرتقِي ببلدِنَا؛ لتكونَ أفضلَ البلادِ، فالتعبيرُ عن الانتماءِ للوطنِ لا يكونُ بالشعاراتِ الرنانةِ، ولا العباراتِ الفضفاضةِ الجوفاءِ، ولكنْ بالعملِ والبناءِ والدفاعِ عنهُ، وبذلِ الغالِي والنفيسِ حتَّى تظلَّ رايتُهُ عاليةً خفاقةً، وقد بشرَّ نبيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَن يحرسُ وطنَهُ، ويجودُ بنفسِهِ فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: «عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» (سننُ الترمذي) .
*تقديمُ مصلحةِ الوطنِ العامةِ على المصلحةِ الخاصةِ: يجبُ علينَا أنْ نشاركَ جميعًا في المحافظةِ على أمنِ الوطنِ وسلامتِهِ، ووحدةِ أرضهِ واستقرارِهِ، والتصدِّي بكلِّ حزمٍ لحملاتِ التخريبِ والإفسادِ، وقد وضعَ اللهُ حدَّ الحرابةِ لمَن يباشرُ إفسادَ مقدراتِ الأرضِ، ويسعى لإحداثِ الفتنةِ، فقالَ تعالى: ﴿إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا﴾، وكذا مَن يهددُ استقرارَهُ بإطلاقِ الشائعاتِ المغرضةِ التي تؤثرُ سلبًا على الفردِ والمجتمعِ قالَ تعالى متوعدًا مَن يقدمُ على فعلِ ذلك: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلاَّ قَلِيلاً * مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً * سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً﴾، وفي سبيلِ المحافظةِ على أمنِ الأوطانِ حرّمَ نبيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الاحتكارَ والغشَّ، والاستغلالَ في التجارةِ والمعاملاتِ الإقتصاديةِ التي فيها أكلٌ لأموالِ الناسِ بالباطلِ فعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: «مَنِ احْتَكَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ طَعَامَهُمْ، ضَرَبَهُ اللَّهُ بِالْجُذَامِ وَالْإِفْلَاسِ» (ابن ماجه)، وفرضَ التكافلَ المجتمعيَّ، وتقديمَ يدَ العونِ والمساعدةِ للجميعِ، وهذا يستلزمُ التكاتفَ والتعاونَ من كافةِ أطيافِ المجتمعِ، وأنْ نكونَ على قلبِ رجلٍ واحدٍ قالَ تعالَى: ﴿وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ﴾، وهذا ما نستشفُّهُ ونستلهمُهُ مِن «وثيقةِ المدينةِ» حيثُ جمعَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلَّ مَن يسكنُ المدينةَ، وعقدَ معهم معاهدةً مِن أجلِ الحفاظِ على المدينةِ من أيِّ عدوٍّ داخليٍّ أو سطوٍ خارجيٍّ، وهذه الوثيقةُ تُعدُّ أُنموذَجًا فريدًا في فقهِ التعايشِ السلميِّ بين البشرِ جميعًا على اختلافِ أديانِهِم وأعراقِهِم، وأعظمَ مثالٍ للمساواةِ وتحقيقِ مبدأِ الأخوةِ الإنسانيةِ، لذا حققتْ نجاحًا باهرًا على أرضِ الواقعِ، وهذا خلافُ ما كانتْ تعهدُهُ جزيرةُ العربِ آنذاك، فحياتُهُم قائمةٌ على الفوضَى واللامبالاةِ في جلِّ أمورِ الحياةِ، وهذا يُحتمُ علينَا الالتزامَ بكلِّ حقوقِ الوطنِ والوفاءَ بعهودِهِ وقوانينِهِ قالَ تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ حتَّى وإنْ كان الشخصُ لا يعيشُ في مرابعِهِ كما قالَ أميرُ الشعراءِ أحمد شوقي:
وطنِى لو شُغِلتُ بالخُلدِ عنهُ … نازعتنِى إليه فى الخُلدِ نَفسِي
*غرسُ حبِّ الوطنِ في نفوسِ الأطفالِ: يجبُ علينَا أنْ نُعزِّزَ قيمَ الولاءِ والانتماءِ للوطنِ، وتعميقَ الشعورِ بالمسئوليةِ تجاهَ بلدِنَا الحبيب، ويبدأُ ذلك أولًا مِن الأسرةِ ثم المدرسةِ، ولوسائلِ الإعلامِ المرئيةِ والمسموعةِ والمقروءةِ دورٌ كبيرٌ في تحقيقِ ذلِك، وكذا مؤسساتُ المجتمعِ المدنِي، وهكذا لا بدَّ مِن اصطفافِ الجميعِ في سبيلِ الحفاظِ على مقدراتِ وطنِنَا مصداقًا لقولِهِ تعالى: ﴿فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ﴾، فالطفلُ عندمَا ينشأُ ويُربَّى على حبِّ وطنِهِ، وغرسِ ثقافةِ البناءِ والتعميرِ، والبعدِ عن الكراهيةِ والحقدِ والتدميرِ، لا شكَّ أنَّ كلَّ دعوى تواجههُ بعدَ ذلك – في سبيلِ زعزعةِ هذه القيمِ المجتمعيةِ – سيكونُ قادرًا على ردِّهَا ودحرِهَا بأيسرِ برهانٍ، وصدقَ أبُو العلاءِ المعرِي حيثُ قالَ:
وينشأُ ناشئُ الفتيانِ منَّا … عَلى ما كانَ عليهِ أبُوهُ
وما دانَ الفتَي بِحِجًى ولكِنْ … يُعلمُهُ التديُّنَ أقربُوهُ
وأخيرًا: نقولُ لهؤلاءِ الذين يدَّعونَ حبَّ الوطنِ، ويتغنونَ بالوطنيةِ، ولا نجدُ في أقوالِهِم وأعمالِهِم سوى الخيانةِ الرخيصةِ، والعمالةِ المقيتةِ البغيضةِ لأعدائِهِ، وتأجيجِ الفتنِ بين أبنائِهِ، والتشكيكِ فيما تُقيمُهُ بلدُنَا وتشهدُهُ مِن تنميةٍ وازدهارٍ لا مثيلَ لهُ على الإطلاقِ، أينَ الوفاءُ للأرضِ التي عشتُمْ عليها، وأكلتُمْ من خيراتِهَا، وترعرعتُمْ في ترباهَا، واستظلتُمْ تحتَ سماهَا، وأينَ ردُّ الجميلِ، ومجازاةُ حُسنِ الصنيعِ ﴿هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ﴾، فمهمَا حاولَ هؤلاءِ وغيرُهُم ستظلُّ بلدُنَا محفوظةً بعنايةِ الإلهِ، فمصرُنَا ذُكِرَتْ في كتابِ ربِّنَا عشراتِ المراتِ تصريحًا وتلميحًا وتعريضًا، واقترنَ اسمُهَا بالأمانِ ﴿ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾، وشَهِدَ بعلُوِ قدرِهَا نبيُّ السلمِ والسلامِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيثُ قالَ: «إذَا فتحَ اللهُ عليكُم مصرَ بعدِي، فاتخِذُوا فيها جندًا كثيفًا؛ فذلك الجندُ خيرُ أجنادِ الأرضِ، فقال له أبو بكرٍ: ولم ذلك يا رسولَ اللهِ ؟ قال: إنَّهُم في رباطٍ إلى يومِ القيامةِ» . (كنز العمال)، وقال الحافظُ السيوطيُّ: «فى بعضِ الكتبِ الإلهيةِ مصرُ خزائنُ الأرضِ كلِّهَا، فمَن أرادَهَا بسوءٍ قصمَهُ اللهُ »، ويصدقُ ذلك قولُهُ تعالى على لسانِ يوسفَ عليه السلامُ: ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾، فتنبَّهْ وأعلمْ.
نسألّ اللهَ أنْ يجعلَ بلدنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمنًا أمانًا، سلمًا سلامًا وسائرَ بلادِ العالمين، وأنْ يوفقَ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.
كتبه: د / محروس رمضان حفظي عبد العال
عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف